كيف يصافح المخرج كرستوفر نولان المشاهد عن طريق البعد الخامس

موسيقى التدوينة

من فترة لأخرى ترسل خلايا مخي ذكريات لمشاهد سنمائية محفزة لعقلي وأعيش هذه المشاهد مرة بأخرى، وأحياناً اعيشها بطريقة جديدة ومختلفة لم ألاحظها عند متابعتي الأولى للمشهد.

في هذه التدوينة اشارككم المشهد الذي يظهر لي باستمرار في عقلي خلال هذه الأيام.

تخيل انك ذاهب في رحلة إلى المجهول، لاتعلم أين نهاية النفق، وماذا ينتظرك في الجهة الأخرى من النفق، ولا تعلم اذا كان هنالك جهة اخرى من الأساس. ولا تعلم هل ستكون انت نفس الشخص الذي عليه اليوم بنفس مبادئك واهدافك وأولوياتك ام أن حالتك ستتغير…لكنك في كل الأحوال عزمت على الدخول الى المجهول ودخلت النفق.

وبمجرد خروجك من عالمك ومنطقة راحتك وعند عتمة النفق فجأة تشعر بطيف غريب يحاول أن يصافحك، ويولّد هذا الطيف شعور قوي جداً لدرجة انه يؤثر على العالم الحسّي من حولك. تشعر أن خلف هذا الطيف بشر من الجهة الأخرى من النفق جاءو لك ليصافحوك ويرحبوا بك ويطمئنوك بأن للنفق نهاية وأن الجهة الأخرى من النفق موجودة بالفعل وفيها حياة. وبعد ثواني معدودة يختفي هذا الطيف والشعور ويتركك بمشاعر غريبة واحساس بالنشوة والفرح ويعزز الأمل فيك وبعدها تعود وتستوعب مدى عتمة النفق ويزداد خوفك من المجهول.

هذا بالضبط ماصوّره كرستوفر نولان في فلم انترستلر عند دخول مركبة القبطان كوبر -من تمثيل ماثيو ماكونهي- مع فريقه الى الثقب الأسود، أتى الطيف الى الممثلة آنا هاثاوي عند الدقيقة ١:٤٦ والذي عبرت عنه بكلمة Them “هم”

السؤال المحيّر هو من هم هؤلاء خلف الطيف ومتى سيكشف عنهم الفلم؟ وبعد ساعتين تقريباً من هذا المشهد يكشف لنا نولان من خلف الطيف بلقطة شاعرية وصادمة بنفس الوقت.

نكتشف ان خلف الطيف كان القبطان كوبر نفسه، نعم كوبر لم يعلم عند دخوله الثقب الأسود من كان المقصود بكلمة “هم”، واستوعب في نهاية الرحلة بأنه هو نفسه المقصود بهذه الكلمة، وأنه كان يتواصل مع نفسه عن طريق البعد الخامس لإنقاذ الكوكب، وبعدما انقذ الكوكب بنجاح وجد نفسه في الثقب الاسود مره اخرى يصافح آنا عن طريق الطيف ويطمئنها بأن رحلتها ستنتهي بسلام وستنقذ البشرية. لتثبت لنا أن مشاعر آنا الايجابية لم تكن من فراغ.

ليه اتذكر المشهد وكيف يحفزني؟

لأني كلما أكبر بالعمر ارى اخطائي وطيشي في صغري واصافح نفسي الصغيرة على طيشها. وأستحضر أمنياتي الحالية وأتخيل طيفي المستقبلي يصافحني من المستقبل ويطمئني بأن لأنفاقي المظلمة اليوم نهاية مشرقة. وأتذكر أن الضياع والظلمة هي بداية الرحلة وحلاوة النهاية تتناسب طردياً مع ظلمة النفق. وهذا ما اختصره ربنا سبحانه وتعالى بآية واحدة عزيزة على قلبي..”إن مع العسر يسراً”

شكراً نولان على هذه المصافحة العابرة للزمان والمكان والتي تذكرنا بأن الضياع هو أول خطوة لإنقاذ البشرية.