من الدروس التي تعلمتها في بداية حياتي الوظيفية هي ببساطة عدم المنافسة مع زميلك. هذا الدرس تعلمته بالطريقة الصعبة. هنا سأسرد لكم قصتي حول هذا الموضوع مع الدروس المستفادة.
في بداية حياتي المهنية تم تكليفي انا وزميل لي بالعمل على مشروع، كنا انا وزميلي على كفاءة عالية وكل منا كان يستطيع انجاز المهمة كاملة بدون الرجوع للطرف الاخر. كان يملؤنا شغف البدايات والحماس للانجاز واثبات انفسنا عند الادارة.
أول تحدي
التحدي الذي واجهناه كان في الاتفاق على آلية تنفيذ المشروع، لكل منا كان لديه وجهة نظر قوية ومقنعة لكن لم نستطيع ان نصل الى منطقة مشتركة. اضطررنا ان ناخذ الاختلاف هذا الى المدير الذي حله بخبرته. وهذا الاجراء جعلنا نبدو بصورة سلبية. لماذا؟ لأن اول درس يجب ان تعرفه في حياتك المهنية هو أن لا تذهب لمديرك بمشكلة دون حل. وهذا بالضبط مافعلناه.
من تحدي لمشكلة نفسية
ومن بعد هذا التحدي بدأت نظرتي لزميلي تختلف بحيث بدأت انظر له كمنافس شرس لي. وكنت دائماً احاول ان اعرف ماذا يفعل او عن ماذا يتناقش عند اجتماعاته بالادارة، وكنت اخاف ان تنظر له الادارة على انه افضل مني او انني غير مفيد بالفريق. وهذا ماسبب لي توتر وضغط نفسي اثر على معدتي.
الدرس المستفاد
بعد فترة من هذه المعاناة وبعد البحث والاطلاع، وجدت ان الحل لهذه المشكلة هو في كلمة بسيطة جداً وهي الاعتراف. نعم الاعتراف بأن زميلي افضل مني في جوانب معينة، ومحاولة كسبه هو وزملائي الاخرين كأصدقاء في حياتي. الاعتراف يعني ان اعترف امام زميلي وامام الادارة انه افضل مني في جوانب معينة، وعند تكليفي بمهمة ارى ان زميلي اكفأ مني بها انصح الادارة بتكليفها لزميلي مباشرة عوضاً عن تفويضها لي. الحالة الوحيدة التي ممكن ان اخذ فيها المهمة اذا كان جدولي فارغ تماماً من أي مهمة اخرى واحتاج ان اثبت نفسي للادارة. غير ذلك ساعترف بكل بساطة ان فلان افضل مني في هذا المجال وارى ان يتم تفويض المهمة له. وهذه الصفة من صفات القادة.
اعترافك لزميلك انه افضل منك سيزيد من قيمتك عنده واحترامه لك اضعاف ما تتخيله، هي ليست مصلحة او منفعة من طرف واحد، بل العكس تماماً، انت ستساهم في نجاح زميلك بتسليمه مشاريع هو مبدع فيها، وسيكون ممتن لك على هذا العمل، وعندما تحتاج الى مساعدته او مشورته في موضوع من خبرته، سيقدم لك يد العون بدون أي تردد.
كلنا نعلم ان العلاقات اشبه برصيد بنكي اليوم تودع في رصيد زميلك أو صاحبك وغداً تسحب ما اودعته، وباعترافك لزميلك انه افضل منك كأنك اودعت مبلغ كبير في بداية العلاقة بمجهود بسيط. هذا بالاضافة للأثر المعنوي الايجابي الذي ستتركه في الطرف الثاني بسبب هذا التقدير.
هل سأفقد وظيفتي عند التنازل عن المهام وسأخسر المنافسة؟
طبيعي ان يكون لدي هذا التساؤل عند تطبيق هذه النظرية، وان اخاف من نظرة مديري لي بأن أكون في موقف ضعف او خسارة. والاجابة هي العكس تماماً، المدير هدفه الأول هو انهاء المشاريع بأسرع وقت وأعلى جودة. وعند تطبيق النظرية بتفويض المهمة للشخص الأكفأ سيتم تحقيق هدف المدير على اكمل وجه.
أيضاً على الاغلب المدير سيلاحظ ويعجب بمدى وعيك بنفسك، وبنقاط ضعفك وقوتك، وبمعرفتك للفريق من حولك، وهذا سيزيد من قيمتك للمدير بشكل استراتيجي وقيادي.
ملاحظة
بعد هذا الدرس وجدت ان الكثير من حولي لم يدركوا هذه الحقيقة بعد، وبعضهم يحاول يحد تواصلك مع الادارة حتى يظهر وحده بالصورة عندهم. هؤلاء احاول قدر المستطاع رفع وعيهم بطرق مباشرة او غير مباشرة.
ومن اكثر الطرق الفعالة هو تطبيق ماتعلمته بالأعلى، و ان ادعو زملائي لاجتماعاتي مع الادارة خصوصاً في المشاريع التي كانت مشتركة معهم. واضعف الايمان ان اشاركهم مستجدات اجتماعاتي مع الادارة بخصوص الموضوع واخذ وجهة نظرهم بجدية تامة. هذه المجهودات البسيطة ستزيد من رصيدي البنكي في علاقتي مع الفريق اضعاف ما أتخيل.
في الختام
اختم هذه المقالة بمقولة غازي القصيبي رحمة الله عليه: “إن رغبتي في إتقان ماأقوم به من عمل لم تعن، قط، رغبتي في التفوق على أي إنسان آخر. وكنت، ولا أزال، أرى أن هذا العالم يتسع لكل الناجحين بالغا مابلغ عددهم. كنت، ولا أزال، أرى أن أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الأخرين هو، في حقيقته، هزيمة ترتدي ثياب النصر”
وبحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”